محاولات فاشلة

(١)
على الرصيف،
زيت الفلافل، وبول الغرباء
نعال أيضاً، وكاوتشوك السيارات
ومسافة الباعة بين ضوئين.

(٢)
الوقت: صوتا هلاميا يعد الحواف.
الليل يغط بالنوم .

(٣)
سمعت الظلال تخطو على سور جارتنا
وخفت الضوء ان يتعثر بي
بدوت ضبابياً والماء يتخللني كماسورة دخان
تنفست قليلا من لون كستنائي. ومشيت
لم اعلم ان البحر يحتمل العابرين
لم اعرف ان البحر يغني اناشيده المتسخة
كنت موشكا على الصلاة فوق السمك
اغوص في حراشفه بالجنون

(٤)
الهي الابيض...
خذني اليك بحفيف الهواء
ولون الشجر المتصلب بدمي
خذني اليك ابيضاً أبيضاً
بزهر اللوز والفراشات النائمات.

(٥)
الهي....
دعني اصلّي باللون وشِعري المهترئ



--
Monther Jawabreh
With my regard
Betrhlehem - Palestine
00970 599 377 978

بحث هذه المدونة الإلكترونية

15‏/03‏/2010

ذاكرة...المعرض الشخصي الأول للفنان نصر جوابرة في تاريخ 3.9.2007



منذر جوابرة

يشكل معرض ( ذاكرة ) للفنان نصر جوابرة اطلالة على ابرز الانجازات التشكيلية الحديثة، حيث احتوى المعرض على 9 اعمال قدمها الفنان ، هي ملخص تجربته.

ذاكرة هي المعرض الشخصي الاول للفنان نصر جوابرة.

ذاكرة هي الحيز الذي نحمله جميعنا ولكننا نحتاج الى من يذكرنا أو يجدد ذاكرتنا.

يحاول الفنان نصر جوابرة اعادة النص المكاني جماليا، بمكوناته ومفرداته – الصفيح، الجدران العتيقة، الشبابيك، الأبواب....، حيث مسقط راسه ( مخيم العروب )، وكأنه يختصر الوقت مؤكدا على حجم رؤيته الفنية مقدما نصا جماليا بنزعة حداثية، خارجة من السياق المكاني المحدود الى حدود أكثر مطلقا من وصفها لحظية أو انفعالية، تحمل في سياقها نضجا واعيا، وعقلا متحركا نحو تفاصيل يومياته الشفوية مشكلا اياها في نصوص بصرية، على اعتبار ان اللوحة تشاهد ولا تقرأ، بحيث تحتاج الى ذكاء واحساس عال لادراك أشكاله وتكويناته، لما لها من علاقة بطفولته وما واكبها من الألعاب الشعبية كلعبة ( ( XO أو الحجلة، ومحاولة اسقاط هذه التراكمات على سطح اللوحة مختزلا مساحة كبيرة من الزمن وحياته الطفولية الى وقتنا الحاضر، ليضعها بشكلها الحداثي ومعالجتها شكلا وتكنيكا.


لوحات الفنان نصر جوابرة تقوم على مرجعية كاملة اتصلت بحياته وتجربته التي يعيشها في داخل المخيم، ولوحته ليست الا اشارة للتراكمات والاختلافات الاجتماعية التي تحيط به في مساحة صغيرة جدا، ويعيش تفاصيلها وأحداثها يوميا ليبني علاقة بين محاولته الجمالية والتشكيلية من ناحية وبين النهج الاجتماعي من الناحية الاخرى، ليبني حوارا مندمجا بعض الشيء بين المجتمع والفن كأحد الموروثات المهمة التي تدفع الفنان الى العمل، ولا يعني ذلك بالضرورة توافق الفنان أو رفضه لهذه القيم أو المثل الاجتماعية، ولكن كدوره المهم في تفعيل التواصل مع المحيط باثبات وجوده وبقائه، ولا ننسى هنا استقلالية الفنان الواضحة بتجربته عن المحيط أو التجربة الشابة، حيث أنه يضيف تجربة مهمة الى الحركة التشكيلية الفلسطينية، بحكم اختلافها عن السائد، ولكن اذا ما وجدنا تجربته فانها أقرب ما يكون الى المدرسة العراقية،- وذلك لأن الفنان تلقى دراسته الجامعية والعليا بالجامعات العراقية- ولكنها بعين فلسطينية نافذة وواضحة، مضيفا اليها القيمة الجمالية والحس المكاني والتجربة الشخصية المنبثقة من يوميات واحداثات ان كانت على الصعيد الذهني العقلي، أو على الصعيد البصري.


ان اللوحة تاخذ جانبا مهما لدى الفنان نصر جوابرة، في البحث عن جماليات الشكل وعلاقتها بالعملية الابداعية وأهمية الشكل بالنسبة للموضوع ( ذاكرة )، لذلك قام باستخدام بعض الوسائط والتكنيكات على سطح لوحته، معتمدا في غالب حالاته البعد التجريدي الذهني والبصري، معتبرا ان الشكل هو المنظم الأول الذي يعطيه المدخل الى عمق فكرته ويوصلنا الى مضمون العمل برؤية تحترم ذهنية وعقل المتذوق الفني، وبحجم يناسب ذائقة المجتمع الفلسطيني والرقي به، واعطائه قيمة حقيقية للانسان باعتباره فاعلا وناشطا، ويستطيع الاجابة أو ايجاد الحلول التي يثيرها الفنان بأعماله.


من هنا نجد ان الشكل لدى الفنان مرتبا ومنتظما بحكم مكوناته ومفرداته ووسائطه التي قام باستخدامها في حيز جمالي بحت، جاءت نتيجة لخبرة وبحث طويل انتظرناه منذ سنين، ليفاجئنا الان ببناء فكرته، بمعنى انها نتيجة لمضمون جاءت متناسقة ومتناسبة مع الجانب الجمالي، وتركيب ابداعي يشمل الحالات التي يثيرها الفنان . 

لعل دخول الفنان جوابرة الى هذا الاسلوب بمعرضه الأول هو الحجم الحقيقي للمعاناة الانسانية التي يعيشها داخل المخيم، وأثر ذلك من زخم الأفكار والتناقضات البصرية داخل المخيم من مساحات وخطوط وأبواب وحركات كثيفة مما تؤدي الى ردة الفعل في تبسيط أشكاله والخروج من العالم المتحرك الى عالم أكثر هدوءا وترتيبا داخليا، أو احساسه المباشر بقضيته كانسان اتجاه المجتمع وما يحمل هذا المخيم داخله من أوجاع ومعاناة على الصعيد الانساني بكافة أشكاله وذكريات الأشخاص الذين يعيشون تفاصيله، فلكل منهم قصته الخاصة والمختلفة عن الآخر، رغم التجاور والتحاور الغريب ما بين الناس والمكان المعماري التي تتخذ شكلا مختلفا ايضا، وليس له شبيه في العالم على الاطلاق، حيث تتداخل البيوت والأبواب وتتراكب بشكل مجنون، معتبرين ان وجودهم هنا انما لحظيا ( كانتظار) للعودة الى المكان الحقيقي، ومن هنا نجد أن معظم الأشخاص المحيطين بالفنان – وهو واحد منهم – يعيشوا هذه الحياة اللامستقرة .


أما من الأسباب الأخرى التي قد تكون دفعت الفنان الى امتداد مساحته بالخروج من التعبير الى اثارة مسألة جدلية تتعلق بالوجود هي حياته الشخصية، والتي تشبه من هم داخل هذا المكان، وما يحمله من عبء ذاتي في تحقيق وجوده الطبيعي ضمن مساحة من المفترض وجودها أصلا، حيث أنه يعاني من غربتين حقيقتين، غربة مكانية الى البلد الأم ( عراق المنشية)، وغربة انسانية عاطفية بالاشتياق الى ابنه وزوجته العراقية اللذين يقيمان بالأردن بظروف مشابهة لظروفه هنا، لذلك نجده يحاول نقل المشهد من صورة تراجيدية مباشرة الى صورة أكثر درامية ملتزمة بأصول فنية وجمالية عالية، واستطاع أن يحول قضيته الخاصة الى شكلا أكثر أصالة مرتبطة بقضايا انسانية قد يعيشها أي انسان بهذا العالم، واستطاع تجاوز المحلي والشخصي الى أفق أبعد فنيا. لقد استطاع الفنان أن يهزم التناقض الداخلي والتناقض الطبيعي الى انتماء واضح لذكريات المكان، الى الزقاق والحكايا، الى الشوارع والوانها، الى المربعات الهندسية المتواجدة بكثرة داخل المخيم، هناك تناقضا في الطبيعة التي تفصله عن أسرته، وعن عائلته، وليعلن رفضه للطبيعة ومقوماتها القانونية القائمة على انكار الذات والانسان، جاءت اشاراته الرافضة لذلك (X) ليقول كلمته هو الآخر كانسان فاعل، بأن حول لعبته الطفولية والشعبية ، الى معادلة منطقية معقدة من وجهة نظره، تقول لا. وتقول انه من حقنا أن نستمر في الحياة ونكون كما يجب أن نكون.

اللوحة بين البصر والنص



تبدو الجدلية واضحة في السياق الشكلي للعمل الفني بين مفهومي الشكل بصريا والمضمون نصيا او نظريا، وهنا ينبع اساس الاشكال بالنسبة لمتذوق العمل الفني، و للخروج من هذا المازق لا بد من ادراك المفهومين من ناحية ، وتعميم المشهد الفني من ناحية اخرى- بمعنى ان على المتذوق ان يدرك اين تصب اللوحة - او ما هي اللوحة، ومن المهم ان يساهم الفنان ايضا بذلك- وفي حال ادركنا هذا الحيز، اصبح من الواجب التخلص من الكثير من التناقضات التي نحملها اثناء متابعتنا للعمل الفني.
ضمن هذه الرؤية يستطيع الشخص المتذوق للعمل الفني ان يعي جيدا ان اللوحة الفنية هي عبارة عن شكل، وينطبق تحت هذا الاطار ( سطح اللوحة) اي ان العمل الفني يحمل مفهومه الخاص بعيدا عن النص الادبي الذي يبحث عنه المشاهد في العمل، لتتجرد اللوحة من كل تلك الاشكاليات وتدخل نطاق الشكل وما يحويه من لون، وخط، وملمس، وخامة، وتكوين، وفراغ، ....الخ، وهذه العناصر تحتاج للتامل واقعيا أو خياليا، ضمن التفكير والتخيل بمشاهد قد تكون خاصة او وضعيات مختلفة تاتي نتاجا لما يحمله من موروث ادبي، ثقافي، اجتماعي... الخ ، ويدخل ترتيب هذا المشهد الذاتي الخاص والخارج من السياق النصي متارجحا تحت الصورة البصرية او التذكر ، والذي يشكل في النهاية الصورة البصرية. 

من هذا الجانب نتفق على ان الاشياء تاخذ شكل الصورة ، وبالمقابل يتشكل من صور ذهنية او واقعية ، وقد تكون بعيدة عن الحقيقة ، او هي تقليد الاشياء الحقيقية، وفيما لو اردنا ان ناخذ الموضوع بشكل ابعد من ذلك نرى الحياة بشكل عام كما ذهب افلاطون (هي تقليد الماوراء)، بمعنى ان العالم جميعه ليس بحقيقة وانما تقليد للعالم المثالي، فما بالنا عندما يتعلق المشهد بلوحة فنية او صورة فوتوغرافية، اذا اللوحة ليست حقيقة ، وبالتالي علينا المحاولة في الابتعاد عن تشبيه الاشياء بالواقع حتى ولو كانت اللوحة واقعية. 

في حال الوصول الى هذه القناعات ، نجد ان اللوحة الفنية البصرية شئ قائم بذاته والعمل يحمل في طياته القيمة الجمالية، والتكوين الفني داخل اطار اللوحة ذاتها لتبني نفسها بنفسها
، على ان حركة الرسم داخل المشهد الفلسطيني اصبحت تاخذ اتجاهات متنوعة بحيث تعتبر ذات نزعة تجريدية جمالية
في معظم الحالات، وهذه الاتجاهات تخضع في نظامها التعبيري لتباينات اللون والحركة، الا ان المتذوق يجد مسافة بينه وبين هذا المشهد بحكم الابتعاد او افتقاد تعميم هذه الثقافة في مجتمع لا يسوده الاستقرار بهذا الوضع، وانما يمر بتجربة يومية مختلفة تماما عن هذه القيم التي تحملها اللوحة الفنية من هم وطني، وحصار، واحتلال... الخ 
ومن اجل اختصار المسافة لبناء علاقة طيبة وودية مع اللوحة الفنية ، علينا ان نقوم بدراسة تحليلية للعمل مما تحمله من عناصر لبناء ثقافة فنية تنمو في دلالات جمالية وفي اسوا حالاتها دلالات رمزية، والتي قد تسئ الى المشهد والكم الثقافي البصري الذي نحاول الوصول اليه، كما ان هناك ظاهرة التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي اخذت جانبا مهما في تطور العمل الفني بما يتعلق من مسالة الحداثة وضرورة تخطي الثقافة القديمة بما تحمله من دلالات رمزية بقيت لفترة من الزمن تدور حول نفسها، وبمعنى اخر، دعونا نحاول الابتعاد في ربط المفاهيم والعناصر الفنية داخل العمل الفني بما يدور حولنا في المجتمع ، مع العلم ان جميع العناصر المستخدمة اصلا هي نتاج لما حولنا ، ولكن ليس بالضرورة نقلها او استخدامها او التعبير عنها بالشكل المباشر وانما هي محاولة للابتكار ، وفي حالات اقل، اعادة صياغتها ضمن انسجام ورؤية اكثر تاملا وتحررا للوصول الى بناء متناسب كقيمة وشكل 

كانون

كانون أول...
صيف مفاجئ
وبحر يقشّر كبرتقالة

كانون أول...
الناس تتعرى
لتأخذ صورها الأخيرة

كانون أول...
ملاجئ كبيرة
1م x 1م
والأرض ضيقة

كانون أول...
ألعاب نارية
وهدايا بشرية
أصابع
رؤوس
أطفال
نساء
وقلوب تنفطر فرحاً 
قافزة للكاميرا

كانون أول...
الشوارع بحر
وبيوت تتراقص
وتنام على ساكنيها 
من كثرة التعب

كانون ثاني...
تفيق رام الله كعروس
بعد أن أزعجها الصيادون
من جرح الهواء

كانون ثاني...
بيوت تفيق
لشرب قهوتها على الرصيف
وشارع الشانزيليزيه
والحمرا
يطلب لجوءاً إلى رام الله 

كانون ثاني...
رام الله مدينة سياحية
توزع الابتسامات والقبل

شباط... نيسان... حزيران...
انتظار صيف متوقع 
للمدن الهاربة.

اصدقائي

(1)

صناديق سوداء للحلم

على حواف المنازل

وعلب الحليب

ونقاط التفتيش

أحلامي تسقط

كخيط عنكبوت

في بيت العقارب

والمحارق

أحلامكم

تسيل كالبراز

وبول الكلاب

في القنوات والمجاري

(2)

أصدقائي الأفاعي

تجار البندقية

شياطين تعشش في عقلي

(3)

دمي منتفخ

كدمامل الحجارة

أقضمها مع قهوتي

ولكم ثآليلي التي في أسفل بطني

كفيل

تقدسونه كل صباح

(4)

أصدقائي

شري الوحيد

وحفارو قبري

وغاسلو ملابسي الداخلية

وبقايا المحارق.

أشياء ناقصة


في غرفتي المجاورة..

يسيل الضوء كاللعاب

من فتحة الباب

والثغور المفتوحة للمطر


في الضوء تراجيديا المبصرين..

يغيب النجم فوق اليمام

ويرسب طلبة الحساب

قبل ان يتموا واجبهم اليومي




في البحر نتراشق بالتراب 

والرمل.

في البحر ...

عجائبنا التي نخبئها من الريح





(١)

في الموت يفرح الملائكة 

ويسيء فهم الوجود بين اننا امواتاً

 او احياءً ميتون 

(٢)

ايها الموت: توقف قليلاً وامنح للوقت متسعاً

  لا زال الملائكة يصفقون... او يصفعون

(٣)

يقف بالباب عاريا...

يصير ظلا رفيعا كالصقيع

اصفر الرؤى كالشعير

لا ربيع هذا العام

لا وجع فردي.. لا شخصي

لا احادي.. لا ذاتي

(٤)

الحزن هذا العام جماعات جماعات

(٥)

على الورق الطائر، طائر سرمدي

ينتف ريشه للحظ

على الورق الطائر، امنيات البشر

لم تكمل نثرها لمسامات الريح بعد

(٦)

كانت بالبحر تغسل الضوء

كم كان رطبا

كم جففته بجدائلها

كم داعبته كالطفل .... لم يسقط

(٧)

سقطت دمية 

(٨)

في الوجع يكثر الكلام

لاغتسال خطيئتنا المائة

وشهوة للبدء مرةً أخرى

(٩)

كان هناك شكلا هلاميا تمشي\يمشي

يطل كالحياء

له\لها ايميل خاص

يشاركنا الفيس بوك

اما الان فلا

(١٠)

لن يعود\تعود

الفيس بوك ضالة الاعمى

وعابث الحظ

والاعرج

والمدعي

والباحث عن فوضى مزمنة

(١١)

كثُرنا\ ونكثر

الجنون شاغر

الحب شاغر

الهبل شاغر

الحماقة شاغرة

الادعاء شاغر

التقمص شاغر

الرعاع شاغر

الكذب شاغر

الكبرياء شاغر

البوهيمي شاغر

التصوف شاغر

التدين شاغر

العلمانية شاغرة

الارتداد شاغر

الموت شاغر

فماذا بقي لنا؟

(١٢)

سنمر عاديين بعد هذا اليوم

اقلب الصفحة

نموت ايضاً عاديين

ليتنا نجد من يدفننا

(١٣)

في الموت يفرح الملائكة 

ويسيء فهم الوجود بين اننا امواتاً

 او احياءً ميتون



منذر جوابر

٢٠٠٩


كما قال الشاعر.. عودة تامل الروح

مقال كتب عن فيلم نصري حجاج كما قال الشاعر

يعد الفيلم التسجيلي عن حياة الشاعر محمود درويش، " كما قال الشاعر" للمخرج الفلسطيني نصري حجاج، الذي عرض في سينماتك القصبة برام الله ذا بعد تعبيري رمزي، وقد خلق الفيلم تساؤلات عديدة، ربما تكون من المرات النادرة التي يثيرها فيلم بمثل هذه الحالة. 


تعبيريا:

 فاجأنا المخرج بالتحولات البصرية الرمزية التي يحملها مضمون الفيلم، وكان ذلك واضحا من خلال الاماكن والمدن التي صور بها،  كالبروة مكان ميلاد الشاعر، او مركز خليل السكاكيني، كمكتبه الاخير في رام الله، او غرفته الاخيرة بفرنسا في فندق ماديسون، او شقته لاخر مرة في عمان.. الخ، وربما هذا ما حمل معه المفارقة والخط الفاصل ما بين التعبير من جهة، والرمز من الجهة الاخرى، اذ يراودك الشعور للوهلة الاولى انك تعيد ذاكرة المكان وكذلك اللحظات الاخيرة من حياة هذا الشاعر، وهذه التنقلات المفاجئة من مكان اخير لمحطة اخرى واخيرة، ألغى حياة ملأى بالتفوق والتفاعل الانساني والجمالي، كأثر الفراشات، وزهر اللوز، وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.. ربما لم ينجح المخرج في توفيق الحس البصري عبر التنقلات المفاجئة في الاطار ( البرواز) المحدد للصورة،  والتي اعادت نفسها برتابة، حيث كان التصوير ينتقل لاماكن مختلفة، ولكن مضمون الصورة واحد ووحيد.


الرمز:

 في اطار هذا الاختزال المرحلي من مراحل وحياة درويش على اختلاف تجاربها، كان هناك عمقا روحياً انعكس اثره بصورة الموت، متجاوزا اشكالية الوجود التي خلقها درويش بشعره، وبالرغم من ذلك، الا ان حجاج  استطاع ان ينقذ فيلمه وينقذنا ايضا من العاطفة الشبحية تجاه الشاعر، متحرراً من "كاريزما" محمود درويش  وباحثا عن اثره كشاعر وانسان، اذ لم يحضر شكل محمود درويش الفيزيائي اطلاقا في الفيلم، وستكون هذه نقطة لصالح المخرج بهذه المغامرة. 


يأخذ فيلم نصري حجاج " كما قال الشاعر" شكلان اخران في العرض، أحدهما تحليلي والآخر تركيبي. وهو كالآتي

من خلال التأمل البصري، نجد ان المخرج تلاعب بعنصرين اساسيين بنا عليهما جزءاً كبيراً من فيلمه هما: المكان والزمان، عنصرين متحدين ارتبطا باختزال حياة درويش بساعة زمنية واحدة، منذ ولادته الى وفاته مروراً بما بينهما، ان ذلك يدفع بعجلة التأثير للقيمة الزمانية والمكانية الخالصة ما بين الشاعر ( كان) والحضور ( الآن )، لاغيا بذلك تكوينه الانساني والشعري او النضالي، وانما عرض اماكن توقفه ليقول ما يشاء وينطلق الى حياة او مكان اخر. نجد ان هناك شعوراً شفافاً يتجاوز الصورة النمطية من الفيلم التسجيلي الى رؤية اخراجية لولبية تاخذك رويداً رويداً نحوها، بمعنى الانزلاق في الفيلم، كان يصيبك الخدر ويتلاشى كل ما لديك من افكار او احتمالات، تصاب مخيلتك بشلل لمدة ساعة وانت منتظراً فنتازية تكسر هذا الايقاع الرتيب. 

استطاع المخرج الحضور في مواقع اخرى من الفيلم، هو تسليط الضوء على العلاقة بين الاماكن، حيفا،رام الله، بيروت، باريس، دمشق، مدريد.. ووضع هذه المدن بتعريفها المنتمي لحضور درويش بها، والانتقال بينهما ما بين رغبته بفعل ارادته او مضطرا بفعل الاضطرابات السياسية والتحولات التي مرت بها القضية الفلسطينية ليسجل تاريخا عريقا ودعما معنويا وجماهيرا لقضية شعب. وكذلك ما قام به من تقديم شعراء عالميين كالبرتغالي خوسيه سارماغو، وول سوينكا، مع هؤلاء الشعراء قدم نصري حجاج شعراء عرب ضعيفي الحضور والالقاء بالرغم من تقليدهم لاسلوبية درويش.


 تلاعب المخرج بشكل مؤثر لما قام فيه بمواجهتنا عن الجانب الآخر من حياة درويش، وهو العالم التأملي  والروحي ووحدة الشاعر، كل ذلك تلمسه من خلال الكاميرا الثابتة او المتحركة داخل مساحة مغلقة مرتبطة بالمكان، بين ما تراه ملونا، ويفرزه المشاهد ابيض واسود، عوالم متبادلة بين نص لا مكتوب، وانما بصريا ياخذ مساحته الاكبر في العالم الفني البصري ،كان افضل ان يقدم على انه (فيديو ارت). بمقطع واحد بدل التكرارات التي حصلت في الاماكن، ان ما تم عرضه تصويريا اضعف نقاط قوة الفيلم، برمزيته او تعبيريته، او حتى المقاطع الاخرى من التكنيك التصويري.

في المشاهد المصورة، لا شاعر، ولا جمهور، ولا اضاءات أو كاميرات، سوى كاميرا المخرج تصور آثار المعارك والحروب الشعرية التي خلفها درويش بعده، ولا زال يصدح ليس بالمكان فقط، وانما داخلنا ايضاً، وليتذكر كل شخص جملة ما أو قصيدة ما قالها هذا الشاعر.

لم يلتزم المخرج بالتقليد في الافلام التسجيلية، وهذا عامل حيوي دفع الى وجود صدى متباين حول عروض هذا الفيلم، ان كان برام الله او بيروت او حيفا او عمان. والاشكالية التي خلقها هي اشكالية مهمة تترك اثرا لمناقشة هذا الفيلم بين مؤيد او معترض. ولكن استطاع استحضار ذهنيتنا من خلال المشاهد المصورة، واعادة مسرحته  ( الشاعر) تحت اضاءة مفتعلة او مُتَخَيلة أيضاً، ان كان على مسارح مهمة في فرنسا او اسبانيا او رام الله او بيروت، وارتباط هذه الاماكن بالبعد الوطني والقضية الفلسطينية المرتبطة بشخص محمود درويش ذاته، وتنقلاته لهذه الاماكن او غرفته المفضلة، كل ذلك يعيد للمشاهد رؤية محمود درويش من زاوية أخرى، هي محمود الانسان والشاعر والكوني .

منذر جوابره

montherjawabreh@gmail.com


فن على طريق الثورة الاجتماعية

مقال كتب عن معرض الفنان محمد صالح

" ان الفن قوة مشكّلة قبل ان يكون جميلاً". جوته


العمل الفني هو الافصاح المرئي عن العالم الداخلي وغير المرئي للفنان، وهذا يشكل اطاراً فنياً ومخرجاً ناجحاً للفنان نفسه في التعبير بطريقة حرة عما يريد ان يوصله لنا من عالمه الخاص، والتي تبحث دوماً عن مفهوم خاص يتعلق بالعملية الابداعية منفصلة عن اي عمل ابداعي مختلف، تبقى هذه المسميات والمعطيات قابلة لتأطيرها حسب رؤية الفنان والذي يطلق مسميات مختلفة تظل دوما تحت فكرة وجودية او فكرة فنية خاصة بالمبدِع.


اشكالية الموضوع:

الفنان محمد صالح خليل، والذي أقام معرضه في جاليري المحطة بتاريخ 4-12-2008، كان من الفنانين القلائل الذين اخترقوا الاطار الاجتماعي المتخلخل أصلاً في فلسطين،  ليكون أكثر إيماناً وقوة بمنطقه الفني وقدرته التكتيكية بمعالجة موضوع جدلي فلسفي انساني، وهو الجسد، اذ يعتبر الجسد في بنائنا الاجتماعي من الأمور الحساسة والتي يصعب تناولها أحياناً بمواضيع فنية مباشرة، ويرجع احد الاسباب الرئيسية بذلك للحروب والنكسات التي اصابت الشعب الفلسطيني عبر مراحله التاريخية الطويلة، مما دفع الفنانين للتفكير بنهج جماعي توعوي او وطني رمزي، ولكن بعد كل هذه المراحل جاء محمد صالح ليفجر هذا الشائك ويطرح تساؤلاته امام الجمهور الفلسطيني.


ان الموضوع الذي أثاره الفنان صالح، ليس موضوعاص مفاجئاً ولا جديداً قياساً بمستوى التراكم الفني والتجربة الفنية العالمية، ولكنها قد تكون مفاجئة على مستواها المحلي الضيق، اذ فاجأ قليلي التجربة والخبرة البصرية تحديداً حول سؤال ذهني حاضر دوماً في العقلية الانسانية بحكم فطرتها وديمومتها القائمة أصلاً على الجنس، وإذا تتبعنا الحالة الداخلية للإنسان يتبين أنه بفطرته لا يرفض هذا المنطق، لأنه وبكل بساطة منطق وجودي يدّعم فكرة البقاء، ولكنه خجل من الناحية النفسية المباشرة بحكم تعّود العين على التلقي، اي وضع الجمهور أمام هذه الصورة الانسانية العارية يخلق قلقاً حذراً لعدم وجود تجربة مسبقة وصحية أيضاً للمتذوق الفني، الذي يعتبرها بمعظم حالاتها انها خدش للحياء، على أن هذا الموضوع متداولاً على مستواها الانساني الفيزيائي والنظري والبصري أيضاً، وتركيب الازدواجية ( المزدوج) لكافة الاشكال الطبيعية يأتي عادياً من عامة الناس، مجرد احساسهم بتشابه او تطابق الشكل العام. اما حينما يصل الفن فيصبح اشكالية.


أسلوب الفنان محمد صالح :

جاء معرض " هندسة الجسد" للفنان صالح، مزيجاً ما بين الرسم التعبيري تارةً والأكاديمي تارةً أخرى، وهذا الاسلوب قد يوقع الفنان في فخ الرضا الاكاديمي ان لم يكن ذكياً ومتمرساً على الإحساس الفني ، لا سيما حينما يتعلق موضوع الرسم بجسد المرأة لما يحمله هذا الجسد من قيم جمالية عالية، قد تغري الفنان برسمها أكاديمياً على حساب القيمة الفنية، مقابل ذلك وخلال الممارسة الفنية التعبيرية قد يكون اللون والخط احدى المُغريات التي تُقدم للفنان وبذلك يقل حضور الرسم، ويذهب أكثر نحو الاختزال. لكن هنا استطاع الفنان صالح أن يحافظ على توازن أفقي بين الرسم الأكاديمي والتعبيري، وبذلك استطاع أن يبتعد باللوحة عن اغرائها الجنسي، وارتقى بالعمل الفني والمتذوق لحالة أكثر تعايشاً بين نقيضين مركبين، جاء هذا التعايش من خلال قوة الخط، واللون، والبعد النفسي الجريء  الذي انعكس على العمل الفني نفسه بعدم اكتمال الرسومات بالخط، بينما تكون ضربات اللون اكثرة حرية وتجاوزاً للمساحات المحددة، بطريقة انفعالية منتمية للاوعي ، جاءت متماسكة بفعل عوامل التركيب اللوني والخطي للموضوع، متحولة لرغبة جامحة في الانتفاض، تبين ذلك بحجم بعض الاعمال الكبيرة  التي استطاعت ان تحتضن هذه القوة وضربات الفرشاة الكبيرة وحرية الحركة واللون. من هنا نجد التساؤلات التي يثيرها بموضوعه ان كان على مستوى اكاديمي او اجتماعي،  وبهذه الحالة يكون قد رسم خطين، الخط الاول للفنانين انفسهم، كيف وضعهم امام مسؤوليات ابداعية مستقبلية، والآخر اجتماعي، في اختراق الممنوع او المتردد. وربما تضاف هذه النقطة، لخطوات اخرى تساهم في ثورة اجتماعية لاحقة، والتي بدات ظواهرها بالملاحظة خلال هذا العقد.  


تعبيرية الفنان صالح:

من ناحية تعبيرية نجد تقاطع الفنان محمد صالح مع الفنانين التعبيريين مثل راؤوه، في تجاوز الألوان الصامتة والشهوانية الشكلية  برسم الجسد البشري، كما أن أجسامه الأخرى مرتخية ومنتفخة خاصة في رسم الوجوه، على أن نقاط الالتقاء الأخرى بين محمد صالح وغويا ودومييه، ساهمت بتجاوز اسلوبه للمحلي منتمياً لتاريخ عالمي في اسلوب المدرسة التعبيرية.

لوحات أخرى قليلة الاشراق اللوني، يمتد فيها الخط برشاقة صارمة، كتفصيل أقوى علي حساب اللون، وكتركيز على الكآبة الانسانية المتمثلة بالحزن والخوف والألم والوحدة، تبين ذلك من خلال عناصره الوحيدة في اللوحة، وشخوصه المنفردين، ممثلين الموت في تقاطع آخر مع الفنان مونك، وكليهما تناولوا موضوع المرأة ،و المرأة عند صالح مثل مونك، نرى وجهها شارد وعيونها هائمة رغم اغرائية الجسد للمرأة، أما ألوانه فتعتبر ألوان ذات أسلوب ألماني، كما تعبر عن جرأة أكثر  منها عند التعبيرية الفرنسية، فقد ثار التعبيريون الألمان ضد الأخلاق الاجتماعية البرجوازية وعقليته. 

      

تقاطع آخر بين الفنان صالح والفنان نولده في رسم الأجساد العارية ،مقابل الوجوه اللامبالية والحزينة،التي يغطيها اللون الرمادي المحزن، وهذه نظرة نولده حول مفهومي الجمال و القبح، إذ يرى أن القبح أكثر تعبيرا عن الجمال،لأنه تعبير عفوي وسريع، وقوي وجريء....،

لا بد من التركيز على تجربة محمد خليل صالح كاحد الركائز الفنية المهمة في فلسطين، والذي لا زال يعيش هنا ويحافظ على نمط معين بالفنون التكشيلية البصرية، ومدى تجربته العميقة التي لا تنطوي تحت التجريب بقدر ما تعبر عن خبرة وتجربة اصيلة تضيف للتنوع التشكيلي الفلسطيني مدرسة اخرى ممتدة لفترات تاريخية وزمنية سابقة منذ العام 1909, بنكهة فنية معاصرة بعض الشيء ان كان من خلال الموضوع والزمن.

لقد كسر الفنان محمد صالح العائق اللامبرَر أمام الفن الفلسطيني، ليضع الفنانين أمام مسؤولية أكبر مستقبلاً بعدم تبرير ضعف الرسم الجسدي لمسميات غير حقيقة، لما للفنان من دور بفلسطين من تعبئة الفراغ الناقص عبر مرحلة طويلة من تاريخ الفن الفلسطيني، اذ سيكون بهذه الطريقة قد ساهم في ابعاد بعض الفنانين عن الاسلوب الرمزي او الساذج في رسم الجسد البشري. 


منذر جوابرة

moonmonther@gmail.com

انتفاضة فنية للفنانين الشباب



يلعب معرض " فلسطين في عيون الفنانين الشباب" مسآلتين مهمتين. الزمان والذاكرة

الزمان: سيأخذ هذا المعرض امتدادا زمنيا لا يقل عن عشرة عروض او اثنا عشر عرضا، بمناطق فلسطينية مختلفة، وسيعرض على مدار هذا العام، بحيث يشغل مساحة زمنية دائمة تعرض من خلالها الاعمال يوميا امام المشاهد الفني ليختار الزمان والمكان و الوقت ايضا الذي يرغب ليرى ذلك، وستمنح له فرصة اكبر ليشاهد ويستمتع.

الذاكرة: سيحمل المعرض في حال انتقاله لاماكن أخرى أعمالا جديدة، وفي حال كان هناك تكرارا للمعرض من حيث التجوال، الا انه في الآن نفسه سيعرض لجمهور جديد في نابلس، حيفا، الناصرة، اريحا، الخليل... الخ، وهذا بدوره سيشكل معيارا جماهيريا جديدا في عدم استقصاء الاخرين، وانما خلق حالة فنية عامة على امتداد فلسطين.


ضمن هذين العنصرين في فكرة المعرض، ستكون الردود الزئبقية والاراء المتباينة على هذا المعرض، ومن الضروري ان يخلق هذا المعرض جدلا وحوارا مستمرا امام هذه الفترة الطويلة من العرض، ولكن في ظل الكثافة الثقافية والفنية في فلسطين لا بد من استثمار ذلك لنقل هذه الحالة خارج الحدود (الرما اللاوية) الى مدن فلسطينية اخرى، ويسير الأمر بشكلٍ متوازٍ معا، على انه وفي هذا المعرض تحديدا لفلسطين الشباب"، تم تقديم تجارب مختلفة لفنانين ما بين محترفين او جديدي المنشأ على الساحة الفنية، ومن خلالها نستطيع القول ان المعرض يقدم مساهمة جديدة للمواهب والمهتمين.


يقدم المعرض اربع نماذج تجريبية لاربع مناطق جغرافية: غزة، فلسطين ٤٨، الضفة الغربية، الشتات، وفي هذا الاطار نجد اختلاف الرؤى بين تجارب مختزلة تأتينا أولها من غزة: آثار الحرب الأخيرة ، البحر، البيوت المتباينة ما بين بيوت المخيم أو ما فوقها من خزانات وابراج وخطوط، يتمثل ذلك في أعمال الفنانين شريف سرحان، باسل المقوسي، رائد عيسى، اياد صباح، محمد الحواجري وغيرهم، وبذلك نستطيع ان نلتمس " الحصار " في أعمال هؤلاء الفنانين.


فلسطين المحتلة: يأخذ بعدا آخر في الموضوع، وهو البحث عن الهوية، من خلال تأكيدها أو ضبابيتها، ونرى ذلك في أعمال الفنانات رانية عقل، وميساء عزايزة، واللتان استخدمتا موضوع متقاطع من حيث ازدواج الهوية الفلسطينية في الداخل وابراز الشكل البصري القاطع على الموروث الفلسطيني والانتماء، فقد استخدمت رانية عقل عنصرين تحدث عنهما ايضا محمود درويش في شعره: طائر السنونو، والقهوة، وقدمت رانية لنا طائر السنونو على أرض تحترق (عملها المحروق)، ولكنها  لا تخفي مدى روعة هذا الطائر بالتحليق الحر، رغم ما يلم به او ينتظره على الارض.

الضفة الغربية: البحث عن المكان، وتقديم شكلا بصريا يبتعد قليلا عن الهوية، لكنه يبحث عن آثارها من خلال البحث عن الدلالات الجمالية، والرموز الانسانية والمكانية، بشكل اكبر انفتاحا من حيث اللغة التشكيلية ، رغم خصوصية حالتها لثقافة مخيم مثلا كما فعل نصر جوابرة وابراهيم جوابرة، وعما قدمه الفنانان من استرخاء عناصره وقلتها للاول، وكثافة الصورة والفكرة بتحويلها لعناصر قلقة في العمل الفني للآخر. مثل الخطوط والنقاط والدوائر واللون..

اما بشار الحروب وشادي الحريم وجمال البحري، فلكل منهم ايضا لغته الخاصة والمختلفة، لكنها تنتمي للطبيعة اكثر من شكلها المعماري، نرى عمل الفنان بشار الذي يجرد القدس من تعبها واشكاليتها السياسية بمساحات مجردة ايضا، ليقدمها لنا انها القدس ايضا، رغم انه اختزل كل ظواهرها. وفي عمل الفنان شادي الحريم، يعرض لنا فلسطين الخضراء الجميلة، باحثا عن تقنيته الفطرية والطبيعية بذلك.

فلسطينيو الشتات: رغم هاجسهم الوطني والقومي والانساني، الا ان عامل المكان لعب دورا مهما، فقد قدموا فلسطين من ذهن متخيل وقصصي، يسمعوه من اجدادهم وابائهم الذين هجّروا عن ارضهم، وبالرغم من ذلك الا انهم قدموا فلسطين بطريقة مختلفة، وتجربة خاصة ما بين اعمال الفنانين نورس شلهوب وامل كعوش ومحمد شقديح، جاء تفاوت متباين بشكل عملهم الفني، منهم من قدمه بطريقة مفاهيمية حديثة كعمل امل كعوش، التي استخدمت جهاز الكمبيوتر للعرض ( الموذر بورد) وخلق حالة اشكالية يعيشها الفلسطيني يوميا تحت النظام العالمي الحديث في تحييد وتحديد شكله الانساني كجزء ينتظم تحت هذه اللعبة الكونية، اما نورس شلهوب، فكان اكثر حالما في عرض عمله لفلسطين ملونة، وياخذك احساس بالحصار داخل هذا العمل، من خلال الحركات الحلزونية واللولبية، يدفعك للتشبث خارجا من ضيق الحالة التي عبر من خلالها الفنانون باختلاف اطارهم وشكلهم الفني.


لقد قدم الفنانون عبر هذا الامتداد الجغرافي الواسع، تجارب مختلفة ومتباينة يستحق ان يسلط الضوء عليها، وكخطوة اولى للفت نظر المهتمين بعمل مهرجان شبابي سنوي، او مسابقة سنوية عامة تعمل على تجديد فعل النشاط الانساني والفني، في ظل النكسات السياسية التي يمر بها الوضع الفلسطيني.


منذر جوابرة

فنان تشكيلي

montherjawabreh@gmail.com


الوقت ماء الشوارع



الوقت ماء الشوارع
والزمن رطوبة الانتظار
على أكتاف التائهين نشيع السماء كل مساء
وفي الظهيرة:
نشرب الفكرة على طاولات المقاهي

في الظهيرة أيضاً
نعال تستريح على ضفاف أحلامنا
أوسمة مفقودة تموت على ياقاتنا
وعكاكيز تسند فجيعتنا.
لا شيء يوقظ الموتى الطيبين 
لا دود القز المنسوج شاهداً
ولا حاملي دمع البصل
ولا طبول العازفين فرحاً لأمسية جديدة. 

الوقت يمر كالضفادع
يقفز جريحاً على سرير الممرضات
صوته يئن  كلما صدح
وأريكته قلب تمساح خشبي
يرفرف بألواح الزجاج 
على النوافذ العارية.

الوقت يسقط سهواً في حضن البائعات
يجففنه كضمة فجل
ويعلقنه عقداً على زجاج الحقائب.
  

بعوضة


أصير بعوضةً
ترتوي من حلم النائمين
بعد أن فشلت بسقوط أحلامها.

أصير سلحفاة متعبة:
تجاعيد تكورت بي 
على ورق
وعلى شجر جارنا
بكيس 
لا ورقياً
ولا زجاجياً
ولا مائيا
بكيسٍ
شفافٍ..

ذبابة


ذبابة على مقعد
تعلوها نافذة نصف مغمضة
ولوحات تتعرى
من قلة الزائرين.

أفكار تتدحرج كطابة صوف
قبل أن يصبح الشارع مزدحما
بالنعال
والشتائم
وماء الغسيل.

أصير نملةً
ببلاعةٍ
تتكئ على عجلٍ اسمنتي
تراقب ظلها 
كيف ينمو كلما تثاءبت

دمامل اسمنتية




براسي دمامل اسمنتية 
تتثاءب كالمطبات
تسير على أرصفة البحر
وفي البحر
شرطة من سمك
وجنود متسخون بالماء.

جسدي تابوت
وعقلي باب قبر، وثلاجة موتى

على قلبي أمشي
برؤوس الأصابع
حمل أحمر ثقيل
وعربات تحمل أنفاسي
على ظهور الحمير

إلى شبق النهار
فكرتي سندباد ليلي
ترتطم بمواسير الماء
وأعقاب السجائر
تذوب كالعصير بإبر الصبر
وريش الحمام
  
خرائط براسي..
شبابيك..
أسوار من حديد..
سراديب كحل، وتساقط ثلج
دون معرفة السبب.

معرض حيفا - رام الله

  حيفا في رام الله


"لا يهمني ان ابتسم، سآكون سعيدا حين يبتسم الاخرون... والواني تتحدث عني"، هذا ما عبر عنه الفنان محمد فضل خلال كلمته الإفتتاحية لمعرضه الشخصي " حيفا - رام الله"، والذي استضافه جاليري المحطة، بدعم ورعاية مؤسسة عبد المحسن القطان. بتاريخ 10-03-2010


يأتي معرض محمد فضل " حيفا- رام الله"، ضمن مبادرة شخصية، ببيع أعماله الفنبة، والتبرع بنصف ريع هذا المعرض، لتغطية نشاطات  الجاليري لهذا العام، وقد ثمن رأفت أسعد مدير جاليري المحطة هذه المبادرة معتبراً أنها تمثل خطوةً على طريق تشجيع الفن في فلسطين، لا سيما ان جاليري المحطة هي مبادرة شابة تقوم على تمويل ذاتها بنفسها.


 الإفتتاح الذي حضره عدد كبير من مناطق كبيرة من فلسطين، شهد حضوراً خاصاً من حيفا والناصرة، مشكلاً بذلك جسراً فنياً بين بعض أجزاء الوطن لتتواصل مستقبلا مع مدن أخرى، وقد ثمن فنانو الداخل  هذا التواصل، واعتبروه إضافة جديدة على صعيد التواصل الفني مستقبلاً.


 المعرض الذي سيستمر لغاية العاشر من الشهر القادم، تضمن مجموعات فنية متنوعة، منها: هولاكو، وصورة ذاتية، صراع البقاء، قائدون في الغابة، الأسود، الأوز...، والتي تميزت باسلوبه الخاص، فقد حملت كل لوحة موضوعاً مستقلاً وحكاية مختلفة، وكأنها  "قصص قصيرة،" حملت معاني يومية تنتمي لتفاصيل الحياة الخاصة، واحساسه العميق في أنتمائه للمكان والأنسان، علماً بأن تجربته هذه قدمها كنتائج عمل وبحث على مدار أربع سنوات، حملت في طياتها العديد من الحكايات، مروراً بالحرب على غزة، وآثار هذه الحرب على القيمة الأنسانية وتحديداً الأطفال الذي يرفعون أيديهم دفاعاً عن أنفسهم من الصواريخ، أو تلك التي تناولت البورتريه وما تعبر عنه من قيمة روحية انعكست على شكل رسوماته.


يذكر ان محمد فضل أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية، وحاز على جوائز من بينها جائزة القطان للفنانين الشباب في العام 2006.