15/03/2010
ذاكرة...المعرض الشخصي الأول للفنان نصر جوابرة في تاريخ 3.9.2007
اللوحة بين البصر والنص
تبدو الجدلية واضحة في السياق الشكلي للعمل الفني بين مفهومي الشكل بصريا والمضمون نصيا او نظريا، وهنا ينبع اساس الاشكال بالنسبة لمتذوق العمل الفني، و للخروج من هذا المازق لا بد من ادراك المفهومين من ناحية ، وتعميم المشهد الفني من ناحية اخرى- بمعنى ان على المتذوق ان يدرك اين تصب اللوحة - او ما هي اللوحة، ومن المهم ان يساهم الفنان ايضا بذلك- وفي حال ادركنا هذا الحيز، اصبح من الواجب التخلص من الكثير من التناقضات التي نحملها اثناء متابعتنا للعمل الفني.
ضمن هذه الرؤية يستطيع الشخص المتذوق للعمل الفني ان يعي جيدا ان اللوحة الفنية هي عبارة عن شكل، وينطبق تحت هذا الاطار ( سطح اللوحة) اي ان العمل الفني يحمل مفهومه الخاص بعيدا عن النص الادبي الذي يبحث عنه المشاهد في العمل، لتتجرد اللوحة من كل تلك الاشكاليات وتدخل نطاق الشكل وما يحويه من لون، وخط، وملمس، وخامة، وتكوين، وفراغ، ....الخ، وهذه العناصر تحتاج للتامل واقعيا أو خياليا، ضمن التفكير والتخيل بمشاهد قد تكون خاصة او وضعيات مختلفة تاتي نتاجا لما يحمله من موروث ادبي، ثقافي، اجتماعي... الخ ، ويدخل ترتيب هذا المشهد الذاتي الخاص والخارج من السياق النصي متارجحا تحت الصورة البصرية او التذكر ، والذي يشكل في النهاية الصورة البصرية.
من هذا الجانب نتفق على ان الاشياء تاخذ شكل الصورة ، وبالمقابل يتشكل من صور ذهنية او واقعية ، وقد تكون بعيدة عن الحقيقة ، او هي تقليد الاشياء الحقيقية، وفيما لو اردنا ان ناخذ الموضوع بشكل ابعد من ذلك نرى الحياة بشكل عام كما ذهب افلاطون (هي تقليد الماوراء)، بمعنى ان العالم جميعه ليس بحقيقة وانما تقليد للعالم المثالي، فما بالنا عندما يتعلق المشهد بلوحة فنية او صورة فوتوغرافية، اذا اللوحة ليست حقيقة ، وبالتالي علينا المحاولة في الابتعاد عن تشبيه الاشياء بالواقع حتى ولو كانت اللوحة واقعية.
في حال الوصول الى هذه القناعات ، نجد ان اللوحة الفنية البصرية شئ قائم بذاته والعمل يحمل في طياته القيمة الجمالية، والتكوين الفني داخل اطار اللوحة ذاتها لتبني نفسها بنفسها
، على ان حركة الرسم داخل المشهد الفلسطيني اصبحت تاخذ اتجاهات متنوعة بحيث تعتبر ذات نزعة تجريدية جمالية
في معظم الحالات، وهذه الاتجاهات تخضع في نظامها التعبيري لتباينات اللون والحركة، الا ان المتذوق يجد مسافة بينه وبين هذا المشهد بحكم الابتعاد او افتقاد تعميم هذه الثقافة في مجتمع لا يسوده الاستقرار بهذا الوضع، وانما يمر بتجربة يومية مختلفة تماما عن هذه القيم التي تحملها اللوحة الفنية من هم وطني، وحصار، واحتلال... الخ
ومن اجل اختصار المسافة لبناء علاقة طيبة وودية مع اللوحة الفنية ، علينا ان نقوم بدراسة تحليلية للعمل مما تحمله من عناصر لبناء ثقافة فنية تنمو في دلالات جمالية وفي اسوا حالاتها دلالات رمزية، والتي قد تسئ الى المشهد والكم الثقافي البصري الذي نحاول الوصول اليه، كما ان هناك ظاهرة التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي اخذت جانبا مهما في تطور العمل الفني بما يتعلق من مسالة الحداثة وضرورة تخطي الثقافة القديمة بما تحمله من دلالات رمزية بقيت لفترة من الزمن تدور حول نفسها، وبمعنى اخر، دعونا نحاول الابتعاد في ربط المفاهيم والعناصر الفنية داخل العمل الفني بما يدور حولنا في المجتمع ، مع العلم ان جميع العناصر المستخدمة اصلا هي نتاج لما حولنا ، ولكن ليس بالضرورة نقلها او استخدامها او التعبير عنها بالشكل المباشر وانما هي محاولة للابتكار ، وفي حالات اقل، اعادة صياغتها ضمن انسجام ورؤية اكثر تاملا وتحررا للوصول الى بناء متناسب كقيمة وشكل
كانون
صيف مفاجئ
وبحر يقشّر كبرتقالة
كانون أول...
الناس تتعرى
لتأخذ صورها الأخيرة
كانون أول...
ملاجئ كبيرة
1م x 1م
والأرض ضيقة
كانون أول...
ألعاب نارية
وهدايا بشرية
أصابع
رؤوس
أطفال
نساء
وقلوب تنفطر فرحاً
قافزة للكاميرا
كانون أول...
الشوارع بحر
وبيوت تتراقص
وتنام على ساكنيها
من كثرة التعب
كانون ثاني...
تفيق رام الله كعروس
بعد أن أزعجها الصيادون
من جرح الهواء
كانون ثاني...
بيوت تفيق
لشرب قهوتها على الرصيف
وشارع الشانزيليزيه
والحمرا
يطلب لجوءاً إلى رام الله
كانون ثاني...
رام الله مدينة سياحية
توزع الابتسامات والقبل
شباط... نيسان... حزيران...
انتظار صيف متوقع
للمدن الهاربة.
اصدقائي
(1)
صناديق سوداء للحلم
على حواف المنازل
وعلب الحليب
ونقاط التفتيش
أحلامي تسقط
كخيط عنكبوت
في بيت العقارب
والمحارق
أحلامكم
تسيل كالبراز
وبول الكلاب
في القنوات والمجاري
(2)
أصدقائي الأفاعي
تجار البندقية
شياطين تعشش في عقلي
(3)
دمي منتفخ
كدمامل الحجارة
أقضمها مع قهوتي
ولكم ثآليلي التي في أسفل بطني
كفيل
تقدسونه كل صباح
(4)
أصدقائي
شري الوحيد
وحفارو قبري
وغاسلو ملابسي الداخلية
وبقايا المحارق.
أشياء ناقصة
في غرفتي المجاورة..
يسيل الضوء كاللعاب
من فتحة الباب
والثغور المفتوحة للمطر
في الضوء تراجيديا المبصرين..
يغيب النجم فوق اليمام
ويرسب طلبة الحساب
قبل ان يتموا واجبهم اليومي
في البحر نتراشق بالتراب
والرمل.
في البحر ...
عجائبنا التي نخبئها من الريح
(١)
في الموت يفرح الملائكة
ويسيء فهم الوجود بين اننا امواتاً
او احياءً ميتون
(٢)
ايها الموت: توقف قليلاً وامنح للوقت متسعاً
لا زال الملائكة يصفقون... او يصفعون
(٣)
يقف بالباب عاريا...
يصير ظلا رفيعا كالصقيع
اصفر الرؤى كالشعير
لا ربيع هذا العام
لا وجع فردي.. لا شخصي
لا احادي.. لا ذاتي
(٤)
الحزن هذا العام جماعات جماعات
(٥)
على الورق الطائر، طائر سرمدي
ينتف ريشه للحظ
على الورق الطائر، امنيات البشر
لم تكمل نثرها لمسامات الريح بعد
(٦)
كانت بالبحر تغسل الضوء
كم كان رطبا
كم جففته بجدائلها
كم داعبته كالطفل .... لم يسقط
(٧)
سقطت دمية
(٨)
في الوجع يكثر الكلام
لاغتسال خطيئتنا المائة
وشهوة للبدء مرةً أخرى
(٩)
كان هناك شكلا هلاميا تمشي\يمشي
يطل كالحياء
له\لها ايميل خاص
يشاركنا الفيس بوك
اما الان فلا
(١٠)
لن يعود\تعود
الفيس بوك ضالة الاعمى
وعابث الحظ
والاعرج
والمدعي
والباحث عن فوضى مزمنة
(١١)
كثُرنا\ ونكثر
الجنون شاغر
الحب شاغر
الهبل شاغر
الحماقة شاغرة
الادعاء شاغر
التقمص شاغر
الرعاع شاغر
الكذب شاغر
الكبرياء شاغر
البوهيمي شاغر
التصوف شاغر
التدين شاغر
العلمانية شاغرة
الارتداد شاغر
الموت شاغر
فماذا بقي لنا؟
(١٢)
سنمر عاديين بعد هذا اليوم
اقلب الصفحة
نموت ايضاً عاديين
ليتنا نجد من يدفننا
(١٣)
في الموت يفرح الملائكة
ويسيء فهم الوجود بين اننا امواتاً
او احياءً ميتون
منذر جوابر
٢٠٠٩
كما قال الشاعر.. عودة تامل الروح
مقال كتب عن فيلم نصري حجاج كما قال الشاعر
يعد الفيلم التسجيلي عن حياة الشاعر محمود درويش، " كما قال الشاعر" للمخرج الفلسطيني نصري حجاج، الذي عرض في سينماتك القصبة برام الله ذا بعد تعبيري رمزي، وقد خلق الفيلم تساؤلات عديدة، ربما تكون من المرات النادرة التي يثيرها فيلم بمثل هذه الحالة.
تعبيريا:
فاجأنا المخرج بالتحولات البصرية الرمزية التي يحملها مضمون الفيلم، وكان ذلك واضحا من خلال الاماكن والمدن التي صور بها، كالبروة مكان ميلاد الشاعر، او مركز خليل السكاكيني، كمكتبه الاخير في رام الله، او غرفته الاخيرة بفرنسا في فندق ماديسون، او شقته لاخر مرة في عمان.. الخ، وربما هذا ما حمل معه المفارقة والخط الفاصل ما بين التعبير من جهة، والرمز من الجهة الاخرى، اذ يراودك الشعور للوهلة الاولى انك تعيد ذاكرة المكان وكذلك اللحظات الاخيرة من حياة هذا الشاعر، وهذه التنقلات المفاجئة من مكان اخير لمحطة اخرى واخيرة، ألغى حياة ملأى بالتفوق والتفاعل الانساني والجمالي، كأثر الفراشات، وزهر اللوز، وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.. ربما لم ينجح المخرج في توفيق الحس البصري عبر التنقلات المفاجئة في الاطار ( البرواز) المحدد للصورة، والتي اعادت نفسها برتابة، حيث كان التصوير ينتقل لاماكن مختلفة، ولكن مضمون الصورة واحد ووحيد.
الرمز:
في اطار هذا الاختزال المرحلي من مراحل وحياة درويش على اختلاف تجاربها، كان هناك عمقا روحياً انعكس اثره بصورة الموت، متجاوزا اشكالية الوجود التي خلقها درويش بشعره، وبالرغم من ذلك، الا ان حجاج استطاع ان ينقذ فيلمه وينقذنا ايضا من العاطفة الشبحية تجاه الشاعر، متحرراً من "كاريزما" محمود درويش وباحثا عن اثره كشاعر وانسان، اذ لم يحضر شكل محمود درويش الفيزيائي اطلاقا في الفيلم، وستكون هذه نقطة لصالح المخرج بهذه المغامرة.
يأخذ فيلم نصري حجاج " كما قال الشاعر" شكلان اخران في العرض، أحدهما تحليلي والآخر تركيبي. وهو كالآتي
من خلال التأمل البصري، نجد ان المخرج تلاعب بعنصرين اساسيين بنا عليهما جزءاً كبيراً من فيلمه هما: المكان والزمان، عنصرين متحدين ارتبطا باختزال حياة درويش بساعة زمنية واحدة، منذ ولادته الى وفاته مروراً بما بينهما، ان ذلك يدفع بعجلة التأثير للقيمة الزمانية والمكانية الخالصة ما بين الشاعر ( كان) والحضور ( الآن )، لاغيا بذلك تكوينه الانساني والشعري او النضالي، وانما عرض اماكن توقفه ليقول ما يشاء وينطلق الى حياة او مكان اخر. نجد ان هناك شعوراً شفافاً يتجاوز الصورة النمطية من الفيلم التسجيلي الى رؤية اخراجية لولبية تاخذك رويداً رويداً نحوها، بمعنى الانزلاق في الفيلم، كان يصيبك الخدر ويتلاشى كل ما لديك من افكار او احتمالات، تصاب مخيلتك بشلل لمدة ساعة وانت منتظراً فنتازية تكسر هذا الايقاع الرتيب.
استطاع المخرج الحضور في مواقع اخرى من الفيلم، هو تسليط الضوء على العلاقة بين الاماكن، حيفا،رام الله، بيروت، باريس، دمشق، مدريد.. ووضع هذه المدن بتعريفها المنتمي لحضور درويش بها، والانتقال بينهما ما بين رغبته بفعل ارادته او مضطرا بفعل الاضطرابات السياسية والتحولات التي مرت بها القضية الفلسطينية ليسجل تاريخا عريقا ودعما معنويا وجماهيرا لقضية شعب. وكذلك ما قام به من تقديم شعراء عالميين كالبرتغالي خوسيه سارماغو، وول سوينكا، مع هؤلاء الشعراء قدم نصري حجاج شعراء عرب ضعيفي الحضور والالقاء بالرغم من تقليدهم لاسلوبية درويش.
تلاعب المخرج بشكل مؤثر لما قام فيه بمواجهتنا عن الجانب الآخر من حياة درويش، وهو العالم التأملي والروحي ووحدة الشاعر، كل ذلك تلمسه من خلال الكاميرا الثابتة او المتحركة داخل مساحة مغلقة مرتبطة بالمكان، بين ما تراه ملونا، ويفرزه المشاهد ابيض واسود، عوالم متبادلة بين نص لا مكتوب، وانما بصريا ياخذ مساحته الاكبر في العالم الفني البصري ،كان افضل ان يقدم على انه (فيديو ارت). بمقطع واحد بدل التكرارات التي حصلت في الاماكن، ان ما تم عرضه تصويريا اضعف نقاط قوة الفيلم، برمزيته او تعبيريته، او حتى المقاطع الاخرى من التكنيك التصويري.
في المشاهد المصورة، لا شاعر، ولا جمهور، ولا اضاءات أو كاميرات، سوى كاميرا المخرج تصور آثار المعارك والحروب الشعرية التي خلفها درويش بعده، ولا زال يصدح ليس بالمكان فقط، وانما داخلنا ايضاً، وليتذكر كل شخص جملة ما أو قصيدة ما قالها هذا الشاعر.
لم يلتزم المخرج بالتقليد في الافلام التسجيلية، وهذا عامل حيوي دفع الى وجود صدى متباين حول عروض هذا الفيلم، ان كان برام الله او بيروت او حيفا او عمان. والاشكالية التي خلقها هي اشكالية مهمة تترك اثرا لمناقشة هذا الفيلم بين مؤيد او معترض. ولكن استطاع استحضار ذهنيتنا من خلال المشاهد المصورة، واعادة مسرحته ( الشاعر) تحت اضاءة مفتعلة او مُتَخَيلة أيضاً، ان كان على مسارح مهمة في فرنسا او اسبانيا او رام الله او بيروت، وارتباط هذه الاماكن بالبعد الوطني والقضية الفلسطينية المرتبطة بشخص محمود درويش ذاته، وتنقلاته لهذه الاماكن او غرفته المفضلة، كل ذلك يعيد للمشاهد رؤية محمود درويش من زاوية أخرى، هي محمود الانسان والشاعر والكوني .
منذر جوابره
montherjawabreh@gmail.com