محاولات فاشلة

(١)
على الرصيف،
زيت الفلافل، وبول الغرباء
نعال أيضاً، وكاوتشوك السيارات
ومسافة الباعة بين ضوئين.

(٢)
الوقت: صوتا هلاميا يعد الحواف.
الليل يغط بالنوم .

(٣)
سمعت الظلال تخطو على سور جارتنا
وخفت الضوء ان يتعثر بي
بدوت ضبابياً والماء يتخللني كماسورة دخان
تنفست قليلا من لون كستنائي. ومشيت
لم اعلم ان البحر يحتمل العابرين
لم اعرف ان البحر يغني اناشيده المتسخة
كنت موشكا على الصلاة فوق السمك
اغوص في حراشفه بالجنون

(٤)
الهي الابيض...
خذني اليك بحفيف الهواء
ولون الشجر المتصلب بدمي
خذني اليك ابيضاً أبيضاً
بزهر اللوز والفراشات النائمات.

(٥)
الهي....
دعني اصلّي باللون وشِعري المهترئ



--
Monther Jawabreh
With my regard
Betrhlehem - Palestine
00970 599 377 978

بحث هذه المدونة الإلكترونية

15‏/03‏/2010

ذاكرة...المعرض الشخصي الأول للفنان نصر جوابرة في تاريخ 3.9.2007



منذر جوابرة

يشكل معرض ( ذاكرة ) للفنان نصر جوابرة اطلالة على ابرز الانجازات التشكيلية الحديثة، حيث احتوى المعرض على 9 اعمال قدمها الفنان ، هي ملخص تجربته.

ذاكرة هي المعرض الشخصي الاول للفنان نصر جوابرة.

ذاكرة هي الحيز الذي نحمله جميعنا ولكننا نحتاج الى من يذكرنا أو يجدد ذاكرتنا.

يحاول الفنان نصر جوابرة اعادة النص المكاني جماليا، بمكوناته ومفرداته – الصفيح، الجدران العتيقة، الشبابيك، الأبواب....، حيث مسقط راسه ( مخيم العروب )، وكأنه يختصر الوقت مؤكدا على حجم رؤيته الفنية مقدما نصا جماليا بنزعة حداثية، خارجة من السياق المكاني المحدود الى حدود أكثر مطلقا من وصفها لحظية أو انفعالية، تحمل في سياقها نضجا واعيا، وعقلا متحركا نحو تفاصيل يومياته الشفوية مشكلا اياها في نصوص بصرية، على اعتبار ان اللوحة تشاهد ولا تقرأ، بحيث تحتاج الى ذكاء واحساس عال لادراك أشكاله وتكويناته، لما لها من علاقة بطفولته وما واكبها من الألعاب الشعبية كلعبة ( ( XO أو الحجلة، ومحاولة اسقاط هذه التراكمات على سطح اللوحة مختزلا مساحة كبيرة من الزمن وحياته الطفولية الى وقتنا الحاضر، ليضعها بشكلها الحداثي ومعالجتها شكلا وتكنيكا.


لوحات الفنان نصر جوابرة تقوم على مرجعية كاملة اتصلت بحياته وتجربته التي يعيشها في داخل المخيم، ولوحته ليست الا اشارة للتراكمات والاختلافات الاجتماعية التي تحيط به في مساحة صغيرة جدا، ويعيش تفاصيلها وأحداثها يوميا ليبني علاقة بين محاولته الجمالية والتشكيلية من ناحية وبين النهج الاجتماعي من الناحية الاخرى، ليبني حوارا مندمجا بعض الشيء بين المجتمع والفن كأحد الموروثات المهمة التي تدفع الفنان الى العمل، ولا يعني ذلك بالضرورة توافق الفنان أو رفضه لهذه القيم أو المثل الاجتماعية، ولكن كدوره المهم في تفعيل التواصل مع المحيط باثبات وجوده وبقائه، ولا ننسى هنا استقلالية الفنان الواضحة بتجربته عن المحيط أو التجربة الشابة، حيث أنه يضيف تجربة مهمة الى الحركة التشكيلية الفلسطينية، بحكم اختلافها عن السائد، ولكن اذا ما وجدنا تجربته فانها أقرب ما يكون الى المدرسة العراقية،- وذلك لأن الفنان تلقى دراسته الجامعية والعليا بالجامعات العراقية- ولكنها بعين فلسطينية نافذة وواضحة، مضيفا اليها القيمة الجمالية والحس المكاني والتجربة الشخصية المنبثقة من يوميات واحداثات ان كانت على الصعيد الذهني العقلي، أو على الصعيد البصري.


ان اللوحة تاخذ جانبا مهما لدى الفنان نصر جوابرة، في البحث عن جماليات الشكل وعلاقتها بالعملية الابداعية وأهمية الشكل بالنسبة للموضوع ( ذاكرة )، لذلك قام باستخدام بعض الوسائط والتكنيكات على سطح لوحته، معتمدا في غالب حالاته البعد التجريدي الذهني والبصري، معتبرا ان الشكل هو المنظم الأول الذي يعطيه المدخل الى عمق فكرته ويوصلنا الى مضمون العمل برؤية تحترم ذهنية وعقل المتذوق الفني، وبحجم يناسب ذائقة المجتمع الفلسطيني والرقي به، واعطائه قيمة حقيقية للانسان باعتباره فاعلا وناشطا، ويستطيع الاجابة أو ايجاد الحلول التي يثيرها الفنان بأعماله.


من هنا نجد ان الشكل لدى الفنان مرتبا ومنتظما بحكم مكوناته ومفرداته ووسائطه التي قام باستخدامها في حيز جمالي بحت، جاءت نتيجة لخبرة وبحث طويل انتظرناه منذ سنين، ليفاجئنا الان ببناء فكرته، بمعنى انها نتيجة لمضمون جاءت متناسقة ومتناسبة مع الجانب الجمالي، وتركيب ابداعي يشمل الحالات التي يثيرها الفنان . 

لعل دخول الفنان جوابرة الى هذا الاسلوب بمعرضه الأول هو الحجم الحقيقي للمعاناة الانسانية التي يعيشها داخل المخيم، وأثر ذلك من زخم الأفكار والتناقضات البصرية داخل المخيم من مساحات وخطوط وأبواب وحركات كثيفة مما تؤدي الى ردة الفعل في تبسيط أشكاله والخروج من العالم المتحرك الى عالم أكثر هدوءا وترتيبا داخليا، أو احساسه المباشر بقضيته كانسان اتجاه المجتمع وما يحمل هذا المخيم داخله من أوجاع ومعاناة على الصعيد الانساني بكافة أشكاله وذكريات الأشخاص الذين يعيشون تفاصيله، فلكل منهم قصته الخاصة والمختلفة عن الآخر، رغم التجاور والتحاور الغريب ما بين الناس والمكان المعماري التي تتخذ شكلا مختلفا ايضا، وليس له شبيه في العالم على الاطلاق، حيث تتداخل البيوت والأبواب وتتراكب بشكل مجنون، معتبرين ان وجودهم هنا انما لحظيا ( كانتظار) للعودة الى المكان الحقيقي، ومن هنا نجد أن معظم الأشخاص المحيطين بالفنان – وهو واحد منهم – يعيشوا هذه الحياة اللامستقرة .


أما من الأسباب الأخرى التي قد تكون دفعت الفنان الى امتداد مساحته بالخروج من التعبير الى اثارة مسألة جدلية تتعلق بالوجود هي حياته الشخصية، والتي تشبه من هم داخل هذا المكان، وما يحمله من عبء ذاتي في تحقيق وجوده الطبيعي ضمن مساحة من المفترض وجودها أصلا، حيث أنه يعاني من غربتين حقيقتين، غربة مكانية الى البلد الأم ( عراق المنشية)، وغربة انسانية عاطفية بالاشتياق الى ابنه وزوجته العراقية اللذين يقيمان بالأردن بظروف مشابهة لظروفه هنا، لذلك نجده يحاول نقل المشهد من صورة تراجيدية مباشرة الى صورة أكثر درامية ملتزمة بأصول فنية وجمالية عالية، واستطاع أن يحول قضيته الخاصة الى شكلا أكثر أصالة مرتبطة بقضايا انسانية قد يعيشها أي انسان بهذا العالم، واستطاع تجاوز المحلي والشخصي الى أفق أبعد فنيا. لقد استطاع الفنان أن يهزم التناقض الداخلي والتناقض الطبيعي الى انتماء واضح لذكريات المكان، الى الزقاق والحكايا، الى الشوارع والوانها، الى المربعات الهندسية المتواجدة بكثرة داخل المخيم، هناك تناقضا في الطبيعة التي تفصله عن أسرته، وعن عائلته، وليعلن رفضه للطبيعة ومقوماتها القانونية القائمة على انكار الذات والانسان، جاءت اشاراته الرافضة لذلك (X) ليقول كلمته هو الآخر كانسان فاعل، بأن حول لعبته الطفولية والشعبية ، الى معادلة منطقية معقدة من وجهة نظره، تقول لا. وتقول انه من حقنا أن نستمر في الحياة ونكون كما يجب أن نكون.

اللوحة بين البصر والنص



تبدو الجدلية واضحة في السياق الشكلي للعمل الفني بين مفهومي الشكل بصريا والمضمون نصيا او نظريا، وهنا ينبع اساس الاشكال بالنسبة لمتذوق العمل الفني، و للخروج من هذا المازق لا بد من ادراك المفهومين من ناحية ، وتعميم المشهد الفني من ناحية اخرى- بمعنى ان على المتذوق ان يدرك اين تصب اللوحة - او ما هي اللوحة، ومن المهم ان يساهم الفنان ايضا بذلك- وفي حال ادركنا هذا الحيز، اصبح من الواجب التخلص من الكثير من التناقضات التي نحملها اثناء متابعتنا للعمل الفني.
ضمن هذه الرؤية يستطيع الشخص المتذوق للعمل الفني ان يعي جيدا ان اللوحة الفنية هي عبارة عن شكل، وينطبق تحت هذا الاطار ( سطح اللوحة) اي ان العمل الفني يحمل مفهومه الخاص بعيدا عن النص الادبي الذي يبحث عنه المشاهد في العمل، لتتجرد اللوحة من كل تلك الاشكاليات وتدخل نطاق الشكل وما يحويه من لون، وخط، وملمس، وخامة، وتكوين، وفراغ، ....الخ، وهذه العناصر تحتاج للتامل واقعيا أو خياليا، ضمن التفكير والتخيل بمشاهد قد تكون خاصة او وضعيات مختلفة تاتي نتاجا لما يحمله من موروث ادبي، ثقافي، اجتماعي... الخ ، ويدخل ترتيب هذا المشهد الذاتي الخاص والخارج من السياق النصي متارجحا تحت الصورة البصرية او التذكر ، والذي يشكل في النهاية الصورة البصرية. 

من هذا الجانب نتفق على ان الاشياء تاخذ شكل الصورة ، وبالمقابل يتشكل من صور ذهنية او واقعية ، وقد تكون بعيدة عن الحقيقة ، او هي تقليد الاشياء الحقيقية، وفيما لو اردنا ان ناخذ الموضوع بشكل ابعد من ذلك نرى الحياة بشكل عام كما ذهب افلاطون (هي تقليد الماوراء)، بمعنى ان العالم جميعه ليس بحقيقة وانما تقليد للعالم المثالي، فما بالنا عندما يتعلق المشهد بلوحة فنية او صورة فوتوغرافية، اذا اللوحة ليست حقيقة ، وبالتالي علينا المحاولة في الابتعاد عن تشبيه الاشياء بالواقع حتى ولو كانت اللوحة واقعية. 

في حال الوصول الى هذه القناعات ، نجد ان اللوحة الفنية البصرية شئ قائم بذاته والعمل يحمل في طياته القيمة الجمالية، والتكوين الفني داخل اطار اللوحة ذاتها لتبني نفسها بنفسها
، على ان حركة الرسم داخل المشهد الفلسطيني اصبحت تاخذ اتجاهات متنوعة بحيث تعتبر ذات نزعة تجريدية جمالية
في معظم الحالات، وهذه الاتجاهات تخضع في نظامها التعبيري لتباينات اللون والحركة، الا ان المتذوق يجد مسافة بينه وبين هذا المشهد بحكم الابتعاد او افتقاد تعميم هذه الثقافة في مجتمع لا يسوده الاستقرار بهذا الوضع، وانما يمر بتجربة يومية مختلفة تماما عن هذه القيم التي تحملها اللوحة الفنية من هم وطني، وحصار، واحتلال... الخ 
ومن اجل اختصار المسافة لبناء علاقة طيبة وودية مع اللوحة الفنية ، علينا ان نقوم بدراسة تحليلية للعمل مما تحمله من عناصر لبناء ثقافة فنية تنمو في دلالات جمالية وفي اسوا حالاتها دلالات رمزية، والتي قد تسئ الى المشهد والكم الثقافي البصري الذي نحاول الوصول اليه، كما ان هناك ظاهرة التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي اخذت جانبا مهما في تطور العمل الفني بما يتعلق من مسالة الحداثة وضرورة تخطي الثقافة القديمة بما تحمله من دلالات رمزية بقيت لفترة من الزمن تدور حول نفسها، وبمعنى اخر، دعونا نحاول الابتعاد في ربط المفاهيم والعناصر الفنية داخل العمل الفني بما يدور حولنا في المجتمع ، مع العلم ان جميع العناصر المستخدمة اصلا هي نتاج لما حولنا ، ولكن ليس بالضرورة نقلها او استخدامها او التعبير عنها بالشكل المباشر وانما هي محاولة للابتكار ، وفي حالات اقل، اعادة صياغتها ضمن انسجام ورؤية اكثر تاملا وتحررا للوصول الى بناء متناسب كقيمة وشكل 

كانون

كانون أول...
صيف مفاجئ
وبحر يقشّر كبرتقالة

كانون أول...
الناس تتعرى
لتأخذ صورها الأخيرة

كانون أول...
ملاجئ كبيرة
1م x 1م
والأرض ضيقة

كانون أول...
ألعاب نارية
وهدايا بشرية
أصابع
رؤوس
أطفال
نساء
وقلوب تنفطر فرحاً 
قافزة للكاميرا

كانون أول...
الشوارع بحر
وبيوت تتراقص
وتنام على ساكنيها 
من كثرة التعب

كانون ثاني...
تفيق رام الله كعروس
بعد أن أزعجها الصيادون
من جرح الهواء

كانون ثاني...
بيوت تفيق
لشرب قهوتها على الرصيف
وشارع الشانزيليزيه
والحمرا
يطلب لجوءاً إلى رام الله 

كانون ثاني...
رام الله مدينة سياحية
توزع الابتسامات والقبل

شباط... نيسان... حزيران...
انتظار صيف متوقع 
للمدن الهاربة.

اصدقائي

(1)

صناديق سوداء للحلم

على حواف المنازل

وعلب الحليب

ونقاط التفتيش

أحلامي تسقط

كخيط عنكبوت

في بيت العقارب

والمحارق

أحلامكم

تسيل كالبراز

وبول الكلاب

في القنوات والمجاري

(2)

أصدقائي الأفاعي

تجار البندقية

شياطين تعشش في عقلي

(3)

دمي منتفخ

كدمامل الحجارة

أقضمها مع قهوتي

ولكم ثآليلي التي في أسفل بطني

كفيل

تقدسونه كل صباح

(4)

أصدقائي

شري الوحيد

وحفارو قبري

وغاسلو ملابسي الداخلية

وبقايا المحارق.

أشياء ناقصة


في غرفتي المجاورة..

يسيل الضوء كاللعاب

من فتحة الباب

والثغور المفتوحة للمطر


في الضوء تراجيديا المبصرين..

يغيب النجم فوق اليمام

ويرسب طلبة الحساب

قبل ان يتموا واجبهم اليومي




في البحر نتراشق بالتراب 

والرمل.

في البحر ...

عجائبنا التي نخبئها من الريح





(١)

في الموت يفرح الملائكة 

ويسيء فهم الوجود بين اننا امواتاً

 او احياءً ميتون 

(٢)

ايها الموت: توقف قليلاً وامنح للوقت متسعاً

  لا زال الملائكة يصفقون... او يصفعون

(٣)

يقف بالباب عاريا...

يصير ظلا رفيعا كالصقيع

اصفر الرؤى كالشعير

لا ربيع هذا العام

لا وجع فردي.. لا شخصي

لا احادي.. لا ذاتي

(٤)

الحزن هذا العام جماعات جماعات

(٥)

على الورق الطائر، طائر سرمدي

ينتف ريشه للحظ

على الورق الطائر، امنيات البشر

لم تكمل نثرها لمسامات الريح بعد

(٦)

كانت بالبحر تغسل الضوء

كم كان رطبا

كم جففته بجدائلها

كم داعبته كالطفل .... لم يسقط

(٧)

سقطت دمية 

(٨)

في الوجع يكثر الكلام

لاغتسال خطيئتنا المائة

وشهوة للبدء مرةً أخرى

(٩)

كان هناك شكلا هلاميا تمشي\يمشي

يطل كالحياء

له\لها ايميل خاص

يشاركنا الفيس بوك

اما الان فلا

(١٠)

لن يعود\تعود

الفيس بوك ضالة الاعمى

وعابث الحظ

والاعرج

والمدعي

والباحث عن فوضى مزمنة

(١١)

كثُرنا\ ونكثر

الجنون شاغر

الحب شاغر

الهبل شاغر

الحماقة شاغرة

الادعاء شاغر

التقمص شاغر

الرعاع شاغر

الكذب شاغر

الكبرياء شاغر

البوهيمي شاغر

التصوف شاغر

التدين شاغر

العلمانية شاغرة

الارتداد شاغر

الموت شاغر

فماذا بقي لنا؟

(١٢)

سنمر عاديين بعد هذا اليوم

اقلب الصفحة

نموت ايضاً عاديين

ليتنا نجد من يدفننا

(١٣)

في الموت يفرح الملائكة 

ويسيء فهم الوجود بين اننا امواتاً

 او احياءً ميتون



منذر جوابر

٢٠٠٩


كما قال الشاعر.. عودة تامل الروح

مقال كتب عن فيلم نصري حجاج كما قال الشاعر

يعد الفيلم التسجيلي عن حياة الشاعر محمود درويش، " كما قال الشاعر" للمخرج الفلسطيني نصري حجاج، الذي عرض في سينماتك القصبة برام الله ذا بعد تعبيري رمزي، وقد خلق الفيلم تساؤلات عديدة، ربما تكون من المرات النادرة التي يثيرها فيلم بمثل هذه الحالة. 


تعبيريا:

 فاجأنا المخرج بالتحولات البصرية الرمزية التي يحملها مضمون الفيلم، وكان ذلك واضحا من خلال الاماكن والمدن التي صور بها،  كالبروة مكان ميلاد الشاعر، او مركز خليل السكاكيني، كمكتبه الاخير في رام الله، او غرفته الاخيرة بفرنسا في فندق ماديسون، او شقته لاخر مرة في عمان.. الخ، وربما هذا ما حمل معه المفارقة والخط الفاصل ما بين التعبير من جهة، والرمز من الجهة الاخرى، اذ يراودك الشعور للوهلة الاولى انك تعيد ذاكرة المكان وكذلك اللحظات الاخيرة من حياة هذا الشاعر، وهذه التنقلات المفاجئة من مكان اخير لمحطة اخرى واخيرة، ألغى حياة ملأى بالتفوق والتفاعل الانساني والجمالي، كأثر الفراشات، وزهر اللوز، وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.. ربما لم ينجح المخرج في توفيق الحس البصري عبر التنقلات المفاجئة في الاطار ( البرواز) المحدد للصورة،  والتي اعادت نفسها برتابة، حيث كان التصوير ينتقل لاماكن مختلفة، ولكن مضمون الصورة واحد ووحيد.


الرمز:

 في اطار هذا الاختزال المرحلي من مراحل وحياة درويش على اختلاف تجاربها، كان هناك عمقا روحياً انعكس اثره بصورة الموت، متجاوزا اشكالية الوجود التي خلقها درويش بشعره، وبالرغم من ذلك، الا ان حجاج  استطاع ان ينقذ فيلمه وينقذنا ايضا من العاطفة الشبحية تجاه الشاعر، متحرراً من "كاريزما" محمود درويش  وباحثا عن اثره كشاعر وانسان، اذ لم يحضر شكل محمود درويش الفيزيائي اطلاقا في الفيلم، وستكون هذه نقطة لصالح المخرج بهذه المغامرة. 


يأخذ فيلم نصري حجاج " كما قال الشاعر" شكلان اخران في العرض، أحدهما تحليلي والآخر تركيبي. وهو كالآتي

من خلال التأمل البصري، نجد ان المخرج تلاعب بعنصرين اساسيين بنا عليهما جزءاً كبيراً من فيلمه هما: المكان والزمان، عنصرين متحدين ارتبطا باختزال حياة درويش بساعة زمنية واحدة، منذ ولادته الى وفاته مروراً بما بينهما، ان ذلك يدفع بعجلة التأثير للقيمة الزمانية والمكانية الخالصة ما بين الشاعر ( كان) والحضور ( الآن )، لاغيا بذلك تكوينه الانساني والشعري او النضالي، وانما عرض اماكن توقفه ليقول ما يشاء وينطلق الى حياة او مكان اخر. نجد ان هناك شعوراً شفافاً يتجاوز الصورة النمطية من الفيلم التسجيلي الى رؤية اخراجية لولبية تاخذك رويداً رويداً نحوها، بمعنى الانزلاق في الفيلم، كان يصيبك الخدر ويتلاشى كل ما لديك من افكار او احتمالات، تصاب مخيلتك بشلل لمدة ساعة وانت منتظراً فنتازية تكسر هذا الايقاع الرتيب. 

استطاع المخرج الحضور في مواقع اخرى من الفيلم، هو تسليط الضوء على العلاقة بين الاماكن، حيفا،رام الله، بيروت، باريس، دمشق، مدريد.. ووضع هذه المدن بتعريفها المنتمي لحضور درويش بها، والانتقال بينهما ما بين رغبته بفعل ارادته او مضطرا بفعل الاضطرابات السياسية والتحولات التي مرت بها القضية الفلسطينية ليسجل تاريخا عريقا ودعما معنويا وجماهيرا لقضية شعب. وكذلك ما قام به من تقديم شعراء عالميين كالبرتغالي خوسيه سارماغو، وول سوينكا، مع هؤلاء الشعراء قدم نصري حجاج شعراء عرب ضعيفي الحضور والالقاء بالرغم من تقليدهم لاسلوبية درويش.


 تلاعب المخرج بشكل مؤثر لما قام فيه بمواجهتنا عن الجانب الآخر من حياة درويش، وهو العالم التأملي  والروحي ووحدة الشاعر، كل ذلك تلمسه من خلال الكاميرا الثابتة او المتحركة داخل مساحة مغلقة مرتبطة بالمكان، بين ما تراه ملونا، ويفرزه المشاهد ابيض واسود، عوالم متبادلة بين نص لا مكتوب، وانما بصريا ياخذ مساحته الاكبر في العالم الفني البصري ،كان افضل ان يقدم على انه (فيديو ارت). بمقطع واحد بدل التكرارات التي حصلت في الاماكن، ان ما تم عرضه تصويريا اضعف نقاط قوة الفيلم، برمزيته او تعبيريته، او حتى المقاطع الاخرى من التكنيك التصويري.

في المشاهد المصورة، لا شاعر، ولا جمهور، ولا اضاءات أو كاميرات، سوى كاميرا المخرج تصور آثار المعارك والحروب الشعرية التي خلفها درويش بعده، ولا زال يصدح ليس بالمكان فقط، وانما داخلنا ايضاً، وليتذكر كل شخص جملة ما أو قصيدة ما قالها هذا الشاعر.

لم يلتزم المخرج بالتقليد في الافلام التسجيلية، وهذا عامل حيوي دفع الى وجود صدى متباين حول عروض هذا الفيلم، ان كان برام الله او بيروت او حيفا او عمان. والاشكالية التي خلقها هي اشكالية مهمة تترك اثرا لمناقشة هذا الفيلم بين مؤيد او معترض. ولكن استطاع استحضار ذهنيتنا من خلال المشاهد المصورة، واعادة مسرحته  ( الشاعر) تحت اضاءة مفتعلة او مُتَخَيلة أيضاً، ان كان على مسارح مهمة في فرنسا او اسبانيا او رام الله او بيروت، وارتباط هذه الاماكن بالبعد الوطني والقضية الفلسطينية المرتبطة بشخص محمود درويش ذاته، وتنقلاته لهذه الاماكن او غرفته المفضلة، كل ذلك يعيد للمشاهد رؤية محمود درويش من زاوية أخرى، هي محمود الانسان والشاعر والكوني .

منذر جوابره

montherjawabreh@gmail.com